في الوقت الذي كان من المفروض في الدولة المغربية عبر جميع أجهزتها المدنية و العسكرية ،أسوة بالدول الديمقراطية التي تحترم نفسها ومواطنيها، وتعترف بتضحيات أبنائها في سبيل عزتها ونصرة قضاياها ،أن تعمل على تكريم من ضحوا من أجلها بأرواحهم و حرياتهم على الأقل معنويا بإقامة نصب تدكاري يؤرخ لبطولاتهم و أمجادهم ،أو تسمية بعض الشوارع و الأزقة بأسمائهم،و الاحتفال بذكراهم في مناسبات خاصة لينالوا ما يستحقوا من حفاوة و تقدير وافتخار بهم وإكبار لما قدموه في سبيل الوطن،وما يستحقه أبناؤهم من رعاية و عناية، حفاظا على الذاكرة الوطنية من التلف و الضياع، تحسيسا للأجيال الصاعدة بما قدمه-شهداء ومفقودي و أسرى حرب الصحراء-من تضحيات تكون لهم بمثابة الداعم و الحافز النفسي للسير على دربهم والاستعداد الدائم لبذل المزيد من العطاء ولو اقتضى الأمر التضحية بأرواحهم في سبيل الوطن،وبشكل يزيد من رفع المعنويات والقدرات و الروح القتالية لمن لازالوا في الخدمة ،هذا دون الحديث عما كان من المفروض أن يقدم لذويهم من دعم و مؤازرة مادية و معنوية لتجاوز محنة فقدان الأب ،الزوج،الإبن و الأخ لما لهم من مكانة في قلوب أهاليهم وذويهم ، لما كانوا يقومون به من مهام تربوية واجتماعية جسيمة ،و لما كانوا يوفرونه لهم من اطمئنان نفسي و أمان معنوي.
فإن الملاحظ منذ بداية افتعال النزاع حول الصحراء ،أن لاشيءمن ذلك تحقق لهذه الأسر التي أصبحت تعيش ظروفا و أوضاعا اجتماعية و اقتصادية لا يمكن وصفها إلا بالمأساوية بحيث لم يسبق لأي مسؤول مدني أو عسكري منذ استشهاد الآباء أو وقوعهم في الأسر و فقدهم أن كلف نفسه السؤال عن أحوالها أو زيارتها و العمل على تلبية احتياجات أفرادها خلال مناسبات معينة خصوصا الدينية منها على الأقل لتهنئتها و لو بكلمة رقيقة عرفانا بما قدمه الشهداء والأسرى و المفقودين للوطن من تضحية بشكل ترك آثارا نفسية سلبية و جروحا لن تندمل لدى أفراد هذه الأسر.
فما تحقق لحدود الساعة و الذي زاد من حدة مأساة هذه الأسر هو ما تراكم من ثروات بين أيدي أغنياء حرب الصحراء من عسكريين و مدنيين و خونة و جلادين، و غيرهم من المتسللين في عباءة العائدين الذين يحظون برعاية خاصة - الثراء الفاحش- بمباركة وتزكية أجهزة الدولة على حساب مستحقات أرامل و أيتام شهداء و أسرى و مفقودي حرب الصحراء.
فرغم خلق العديد من المؤسسات لتلميع الصورة الخارجية للدولة من قبيل المصالح الاجتماعية للقوات المسلحة، و مؤسسة الحسن الثاني للأعمال الاجتماعية لقدماء العسكريين و قدماء المحاربين لتقديم خدماتها لصالح هذه الأسر ورعايتهم من كافة الجوانب الانسانية: النفسية ، الاجتماعية، الاقتصادية، الصحية،التعليمية ، الوظيفية و الترفيهية ... إلخ فإنها تبقى مجرد مؤسسات لا تحمل من وظائفها إلا الإسم .
فهذه الأسر منذ فقدان ذويها تركت لمصيرها في مواجهة المجهول ،و أغلقت في وجهها فيما بعد كل الأبواب والمنافذ للمطالبة بحقوقها المهضومة بما في ذلك من انتهاك صارخ لأبسط حقوقها رغم الشعارات المرفوعة، من قبيل العهد الجديد و دولة الحق و القانون ودولة المؤسسات و غيرها من الشعارات الزائفة .
ولعل ما زاد من تعميق جراح هذه الأسر ما أقدمت عليه الدولة بمختلف إداراتها من توظيف مباشر لأبناء أقاليم معينة و إقصاء لأبناء هذه الشريحة و كذا إقصاء الأرامل من الزيادات الأخيرة في الأجور رغم هزالة المعاشات ،و ما تعتزمه حكومة عباس الفاسي في القريب من زيادات في مؤخرة "المعلوفين" أصلا من كبار الموظفين .
فإلى متى سيتمر هذا التنكر و الجفاء وتتخذ الدولة المبادرة لتكريم الشهداء و أسرهم و الاحتفال بالأسرى كأبطال حرب دون نسيان مفقودي المصير، و تمكين الجميع من مستحقاتهم و متابعة المتورطين ممن أوصلواهذه الأسر لهذه المأساة من عسكريين و مدنيين ، و العمل على إخضاع المؤسسة العسكرية لرقابة المؤسسة التشريعية كما طالبت بذلك الجمعية الوطنية لأسر شهداء و مفقودي و أسرى حرب الصحراء في مذكرتها المطلبية التي قدمتها للجنة المانوني قبيل التعديلات الدستورية الأخيرة ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق