لأول مرة في
تاريخه، وتعتبر هذه الخطوة تطبيقا لمقتضيات الدستور الجديد، ناقش البرلمان، قوانين تتعلق بالمؤسسة العسكرية، وذلك في بادرة هي الأولى من نوعها منذ استقلال البلاد.
جاء ذلك
خلال اجتماع، لجنة الخارجية والدفاع الوطني
بمجلس النواب، بحضور عبد اللطيف لوديي، الوزير المنتدب لدى رئيس
الحكومة المكلف بإدارة الدفاع الوطني، وخصص لمناقشة
أول قانون يخص المؤسسة العسكرية يحال إلى البرلمان.
ويتعلق
الأمر بالقانون المتعلق بالضمانات الأساسية الممنوحة للعسكريين بالقوات المسلحة بكل مكوناتها البرية والجوية
والبحرية والدرك الملكي والحرس الملكي، والذي يتكون
من 16 مادة تتطرق بالتفصيل إلى حقوق أفراد الجيش. إذ
يمنح هذا القانون للمرة الأولى للعسكريين الحق في الانتماء إلى الجمعيات لكن بعد الحصول مسبقا على إذن كتابي يسلمه رئيس أركان حرب القوات المسلحة، أي الملك محمد السادس شخصيا. بيد أن هذا القانون لم يحدد طبيعة هذه الجمعيات.
ويضمن
القانون للعسكريين حرية النشر في مجالات الأدب والفن والبحث العلمي والتقني، مع إلزامهم في المقابل، ولو بعد تسريحهم من صفوف الجيش، بـ«واجب التحفظ وكتمان أسرار الدفاع والمحافظة عليها في كل ما يتعلق بالوثائق والمعلومات التي اطلعوا عليها أثناء مزاولة مهامهم».
ووجد
البرلمانيون أعضاء اللجنة المنتمون إلى فرق الغالبية والمعارضة أنفسهم، للمرة الأولى، يناقشون قانونا يتعلق بمؤسسة
«إستراتيجية وحساسة»، يجهلون الكثير عنها، أو بالأحرى مؤسسة «عصية على
الاختراق»، كما وصفتها إحدى النائبات. فطلبوا وقتا
إضافيا لمناقشة القانون بشكل دقيق، كما طلبوا منحهم
وثائق عن هذه المؤسسة وخصوصا تلك المتعلقة بالأنظمة الداخلية المعمول بها حاليا حتى يتمكنوا من المقارنة بينها وبين القانون الجديد، في ظل «شح المعلومات» المتوفرة بشأنها. إلا أن كل ذلك لم يمنعهم من إبداء مجموعة من الملاحظات على القانون أثناء المناقشة الأولية.
ووصف الوزير
لوديي القانون بأنه يشكل «قفزة نوعية في المسار الديمقراطي، ومساهمة في تأسيس ركائز الدولة الحديثة وما تنتهجه المغرب على اعتبار أنه يهدف إلى خلق مرجع قانوني يحدد حقوق وواجبات أفراد الجيش الملكي بمختلف فئاتهم مع ملاءمته مع الطبيعة الخاصة للعمل العسكري، التي تقتضي من أفراد القوات المسلحة الملكية التحلي بالحياد والانضباط والتضحية، وكذا
الاستعداد الدائم في كل وقت وحين للدفاع عن حوزة الوطن ووحدة
ترابه».
وعرض لوديي
الضمانات الأساسية التي أتى بها هذا القانون، وتتمثل في أربعة مجالات، هي الضمانات القانونية، والضمانات المتعلقة بالحقوق المادية، والضمانات المتعلقة بالمسار الإداري، ثم الضمانات المتعلقة بالحماية القانونية.
وتتعلق
الضمانات القانونية بحق التعيين داخل صفوف القوات المسلحة الملكية حسب الاستحقاق ووفقا لمبدأ تكافؤ الفرص، واستفادة العسكريين من الحقوق والحريات الأساسية التي يضمنها الدستور لجميع المواطنين ما لم ينص صراحة على خلاف ذلك في النصوص القانونية والتنظيمية المعمول بها في هذا المجال، وذلك اعتبارا لطبيعة العمل العسكري التي تستوجب التعبئة الدائمة لما يتطلبه الدفاع عن حوزة الوطن من تفان ويقظة ونكران للذات واستعداد
دائم للتضحية، وضمان الحماية القانونية في مجال التأديب
أو المتابعة القضائية، وفقا للإجراءات والمقتضيات
المعمول بها درءا لأي تعسف أو شطط في استعمال السلطة،
وكذا ضمان محاكمة عادلة.
أما
الضمانات المتعلقة بالحقوق المادية، فتتمثل في الحق في الأجرة، والحق في معاش التقاعد عند انتهاء الخدمة وفق
الشروط المقررة في التشريع المتعلق بنظام المعاشات
العسكرية، والحق في الحماية الاجتماعية التي تؤمنها المؤسسات
الطبية والمصالح الاجتماعية للقوات المسلحة الملكية.
وبالنسبة
للضمانات المتعلقة بالمسار الإداري، فإنها تتمثل في الحق في الترقية في الرتبة أو التعيين في المناصب العسكرية وفق مبادئ المساواة والاستحقاق والكفاءة، والاستفادة من برامج التأهيل العسكري طوال مدة الخدمة، التي تعتبر أهم وسيلة تمكن العسكريين من الارتقاء في التسلسل الإداري، وبالتالي تحسين وضعيتهم المادية ثم الحق في الرخص السنوية والاستثنائية، والرخص لأسباب صحية وفقا للنصوص التنظيمية.
أما بخصوص
الضمانات المتعلقة بالحماية القانونية، فقال لوديي إنه «اعتبارا للمسؤوليات الملقاة على كاهل أفراد القوات المسلحة وللمخاطر التي يتعرضون لها، فقد أقر مشروع القانون عدم مساءلتهم
جنائيا أثناء قيامهم بمهامهم بطريقة سليمة سواء
داخل المغرب أو خارجه، كما منحهم حماية الدولة مما قد
يتعرضون له من تهديدات واعتداءات بمناسبة ممارسة مهامهم أو بعدها، وتمتد هذه الحماية إلى ذوي حقوقهم».
ومقابل هذه
الضمانات أقر القانون واجبات على العسكريين حتمتها طبيعة وخصوصية العمل العسكري التي ترتب التزامات عليهم احترامها ومراعاتها
لتنافي هذه الطبيعة مع ممارسة تلك الحقوق، منها الإضراب في
صفوف قوات الجيش، لتنافي انقطاع العمل مع ضرورة سيرورة العمل
العسكري، وإنشاء منظمات سياسية أو نقابية، والانخراط في
الأحزاب السياسية، وفي أي نقابات أو هيئات ذات طبيعة
سياسية أو نقابية، كما تفرض عليهم هذه الالتزامات التقيد بكتمان السر المهني طيلة مدة الخدمة، وأيضا بعد الإحالة إلى التقاعد، «طبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل، سواء النظام الأساسي لوظيفة عمومية أو القانون الجنائي أو قانون العدل العسكري».
وانصبت
مداخلات النواب أثناء المناقشة الأولية للقانون على المادة السابعة منه، والتي تتعلق بـ«عدم مساءلة العسكريين جنائيا أثناء قيامهم بمهامهم بطريقة سليمة سواء داخل المغرب أو خارجه، ومنحهم حماية الدولة مما قد يتعرضون إليه من تهديدات أو متابعات أو ضرب أو سب أو قذف أو إهانة بمناسبة ممارسة مهامهم أو بعدها، وتمتد هذه الحماية إلى أزواجهم وأولادهم وآبائهم وأمهاتهم»، حيث اعتبر نواب البرلمان أن هذه المادة تمنح حصانة
«مبالغا فيها» للعسكريين.
واعترضت
النائبة أم البنين لحلو، من حزب الاتحاد الدستوري المعارض، على منح القانون الحق للعسكريين في الانتماء إلى
الجمعيات، واعتبرته قرارا غير صائب، وقالت إن دور أفراد
الجيش هو حماية البلاد وليس الانخراط في الجمعيات.
وتساءلت: «ماذا لو أن بعضهم انخرط في جمعية إرهابية؟!»، بينما طالب جل النواب بالاعتناء بأصحاب الرتب الصغيرة في الجيش، ورفع معاشاتهم.
كما استغلوا المناسبة وطالبوا الوزير لوديي بحل ملف
الأسرى السابقين لدى جبهة
البوليساريو المعتصمين أمام البرلمان منذ أسابيع، والذين يطالبون برفع قيمة التعويضات التي يتقاضونها.
http://www.hibapress.com/details-22908.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق